ده فلاش باك لاحداث اول يوم رمضان من عشر سنين في حياتي
المشهد الاول :
غرفة صغيرة بها سرير تنام فوقه فتاه في هدوء مستغرقة في حلم جميل
وبما اني انا الفتاه فلازم طبعا اشرككم في الحلم .... يعني نعمل فلاش باك داخل العقل الباطن كمان ..... وكان الحلم من اجمل ما يري الخلق فاذا بسماء صافيه بزرقة ليس لها مثيل واذا بكلمة التوحيد مكتوبة في السماء بلون ابيض ناصع وزاهي جدا
لا اله الا الله
نعم لا اله الا الله .... وفجأة تدخل الغرفة سيدة ترتدي زي ابيض ملطخ بالدماء يبدو في ملامحها الاجهاد وعدم النوم تلك الليلة نهائيا تقترب من فراش الفتاه وتمد يدها اليها ويدها الاخري تضعها علي فمها الذي يسيل منه الدم و لاتقوي علي ايقافه
وتتردد ان توقظ الفتاه فتسحب يدها مرة اخري وتمدها ثانية واذا بقطره دم تنزل من بين اصابعها علي وجنة الفتاه
فتستيقظ من حلمها الجميل وتري السيدة بهذه الصورة
طبعا ده مش فيلم رعب يا جماعة
دي كانت الام وهي تنزف ليس اكثر ...( بل انه كان اكثر طبقا لباقي احداث ال 17 يوم التالية ولكنه في تلك المرحلة لم يكن له تفسير سوي نزف شديد حيث ان الام قد خلعت ضرسين بالامس)
المشهد الثاني :
ترتدي الفتاه ملابسها علي عجل وتذهب روحة ورجعة داخل المنزل العامر_ والذي لم يكن عامرا وقتها فليس هناك سوى الفتاه وامها_ وهي تفكر بالاف الافكار داخل عقلها
اذ رأت ان تاتي لامها بطبيب او علي الاقل بحل يقف النزف_ الذي استمر من وقت نومها في الثانية عشرة الي الان_ حتى ياتي طبيبا
ولاكن الساعة الان الثامنة والربع من اين لها بطبيب وكيف وهي وحدها والام لا تقوي بعد كل هذا النزف علي الحراك لتذهب الي مستشفي
فتتوجه الفتاه الي التليفون ويال سوء الحظ فليس هناك حرارة ... وطبعا لم يكن هناك من اثر لوجود موبايل فقد كان اختراع لا يقوي علي اقتناءه سوى اهل الفن في بعض المسلسلات
اذا لابد وان تترك الام وحدها بتلك الحالة حتى تاتي بطبيب او اي حل اخر
المشهد الثالث :
الجزء الاول ::
الام وحدها بالمنزل تتكأ علي اثاث المنزل حتى تصل الي سريرها مرة اخري بعد ان تركته لتأتي بشيء تسد به فمها لكي لا يتساقط الدم
واذا بها تهوى علي الارض مرات ومرات وتحاول جاهدة ان تصل مرة اخري الي فراشها وداخلها شيء يقول ان تلك هي النهاية وتفكر في بناتها وهل فعلت ما كان عليها فعله تجاههن وهل احسنت اليهن وهل غرست داخلهن مبادئ يسرن علي نهجها فيذكرن امهن بالخير
وهل وهل وهل وتنزل دموعها لاقتراب الفراق وتدخل في اغماءة ترتاح فيها من عناء ما تواجهه
الجزء الثاني ::
تبحث الفتاه في اقرب المستشفيات عن طبيب يمكنه انقاذ الام
فلا تجد سوى طبيب مبتدأ فيابي ان يتوجه معها الي المنزل خشية ان يحدث امر ما يخافه هو وغير موكل ايه بمواجه تلك الحالات نظرا لانه طبيب امتياز ... ويحدث عنه الممرضات من حوله ويخفيه عن الفتاه وتجرب الفتاه مستشفي اخر فلا تجد سوى الممرضات والاتي ينصحنها بشراء حقنه لوقف النزف وتساعد علي التجلط
فتسرع الي اي صيدليه (ولم يكن هناك الكثير من الصيدليات ذات الخدمة 24 ساعة ) فلا تجد الا صيدليه تصلها بعد30 دقيقة من الجري الذي يتخلله المشي لترتاح الاقدام وتاخد الانفاس المتسارعة في البطئ مرة اخري استعدادا للبدأ من جديد
وتاتي بالحقنه
المشهد الرابع :
الجزء الاول ::
تتشبث الفتاه بحقنه الدواء والسرنجة وكانها عثرت علي الحياة وسط المقابر
وتنطلق بادئة رحلة العودة الي امها وتفكر هل لازالت تنزف هل ستتحمل ان تبقي بفراشها والدم محيط بها الي تلك الدرجة ام انها ستتحرك كعادتها وتنظف وترتب ما حولها وتنطلق منها دعوة ( يارب يا ماما ربنا يهديكي وتبطلي نظافتك دي سيبينا نعملك احنا حاجة مش وقته حساسيتك وانتي كده خاالص ربنا يستر ) ولاول مرة ولن تكون الاخيرة تقرع جرس الباب ولا ياتيها الجواب ( مين لولله حافتح لك يا حبيبتي حاضر ) فتتذكر الامر وتفتح الباب بمفاتيحها
الجزء الثاني ::
الام ملقاه علي الارض والدم محيط بها والفتاه تحاول ان ترفع الام من الارض فلا تستطيع حيث ان قدمها تنزلق من لزوجة الدم تحتها
وتبدأ في ان تسعف الام وهي علي الارض ولاكن كيف؟؟
فهي لا تعرف كيف تغرس تلك الحقنه بجسد امها .. وماذا لو جربت واخطأت فتقوم وهي تنظر الي جسد امها الملقى وتجهش بالبكاء
ثم تقترب في حذر وتملئ الحقنه بالدواء وتسمي الله وهي تطلب من امها ان تسامحها ان اخطأت فهي تقصد فقط انقاذها والله اعلم بذلك عنها
واذا بالام تستفيق وتدعوا لها وتشير انها تفعل الصواب ولم تخطأ
وتكون لاول مرة ودون ان تتعلم ذلك استطاعت ان تعطي حقنة
لتثبت ان الحاجة ام الاختراع فعلا وليس هناك صعب ما دمت محتاج اليه
ويكون هذا درس لا تنساه لتبدا حياتها به فيما ياتي كله من حياتها
المشهد الاخير :
تبقيان الام والابنه محتضنتان بعضهما البعض بانتظار ان يتوقف النزف وبعد خمس دقائق كانت من اثقل دقائق الحياة وكانها دهر باكمله يتوقف النزف وتابي الام ان ترتشف بعض من الماء فهي صائمة فاليوم اول رمضان
فقط تطلب من الفتاه ان تعطيها الماء لتغسل وجهها وفمها وان تستند عليها لتذهب لتغيير ملابسها بنفسها وتابي ان تقبل مساعدة الفتاه لها
وتطلب من فتاتها ان تكمل نومها ومع الطلب اعتذار رقيق عن ايقاظها لها ولمسة حانيه مع ابتسامة حب وود وتنظر بمنتهي العمق في عيني الفتاه
وتطلق الام جملة اختزلت فيها سبعة عشر يوما قادمة حتى ترحل مبتعدة عنها الي خالقها وكانها تبرر للفتاه ما حدث وما سيحدث في القريب العاجل
((طول عمرك حلوة اوي قلبك يساع الكون بس يا بنتي دنيتك بتاخد منك كتير .. وامك خلاص يا ولاء رايحة لبعيد خدي بالك من نفسك وما تزعليش من الدنيا انتي اقوي منها بقلبك))
وتتقاذف الافكار بذهني واظل شاردة لا افهم كلمة واحدة مما قالته امي
حتى حان رحيلها بعد 17 يوم
وطبعا تفاصيل الاحداث عرفتها من امي خلال الايام القليلة السابقة لوفاتها
ففهمت انها رأت ما لم يراه اياً منا ومع مرور السنوات فهمت ايضا انها علمت عني ما لم اعلمه وكانها رأت ما سيحدث وكانت تنصحني وتشد من اذري
رحمك الله يا امي
اشهد الله انك قد بررتنا صغارا ولم يتح لنا العمر ان نبرك كبارا
فليغتنم الفرصة كل من ينعم بوجود امه بحياته ويبرها حتى ان ابت هي ذلك فبطبيعتها ام معطاءة تابي الاخذ وتجزل العطاء
وليرحم الله كل ام ردها اليه
آآآآمين