اعجبني المحتوى

الأربعاء، نوفمبر 12، 2014

سيدة الحقيبة

سوداء ذات بشرة من الجلد القوي

تدل علي طبيعة اصلها وانها اختيرت بعناية ودراية بافضل واثمن انواع الجلود
محلاة ببعض من خرز ملون منمق مجموع بدقة ليرسم ازهار ربيع حديثة الظهور
تساقطت بعض حباته ثورة علي النظام الدقيق وخروجا عن المألوف من التماسك الملفت للنظر بين حبات الخرز
تاركة ورائها دليل وسيلتها للهرب خيوطا تتدلي معلنة عن حداثة الفرار
منتفخة مما يغريك بتخيل ما قد تحمله بداخلها وما قد يكون مهما بحيث تقبل ان تحمله وتتحمل ثقله دون ان تفتح فمها لتلهث تعباً او تعترض لثقله وكثرته او حتي تفتح بعض نوافذها هنا او هناك لتتنفس بعض الهواء الطلق او ربما لترمي ببعض ما تحمله تخفيفا لحملها ...
تضع زينتها كاملة فلا اسنان سحاب منكسرة او حتي متعثرة , ولا اقراط مفتوحة الفم اعتراضا علي شد اذنيها بتلك اليد العريضة لاعلي دائما لا ترتاحان ...
منتفخ ذاك الجيب الصغير ايضا تري ما به برغم صغره..
هل يعاني ايضا بما يحمله ويصمت في كبرياء متحملا للألم ..؟!
نحيفة جعدة البشرة ..اخاديد زمنية قد شقت طريقها علي قسمات وجهها
..طويلة رغم ما فقدته من طول مع الزمن ...كثيفة الشعر جميل رمادي اللون مما يبوح بعمرها وعدم اصطباغه الا ربما لمرات قليلة بقيت منها بعض لون قديم باخر اطرافه ...
كحيلة العين بدقة قد وضعت زينتها في غير تكلف  ولكن باعتياد ينعكس من دقة التفاصيل وانسياب الخطوط تدون تعرج ...
خفيفة الخطوات ثقيلة القدر واثقة...
كغزال عجوز يسرع بخفة جنسه ووقار سنه...
بـشوشة الوجه بسمة الثغر لا لاحد ولا لشيئ ...
شفتاها مخططتان بشقوق  ذادت الحمرة الموضوعة من ظهورها ولكل خط قصة تري كم قصة عاشتا تلك الشفتان ... ؟
كم عاشق نال حظ من رضابها..!
لازال الغزال العجوز ينمق اظفاره ويلونها بعناية .. ألدي الغزال اظافر.. فهل يستعملها ..؟!
رداء ارجواني مزهر ببعض الفل المنثور
يتمايل علي وقع دقات حذائها الاسود ذو الثلاث خيوط وكأنه يحيط قدمها الصغير كهدية عيد  ...
تجلس جواري محتضنة تلك الحقيبة ..تري بينهما حوار لا يسمعه ولا يدركه غيرهما ..ابتسامة هادئة :
·       :كم الساعة ؟
·       : الرابعة عصراً
·       : لقد مر الوقت سريعا..
تعتلي وجهها الرقيق بسمة مريحة وترسل نظرتها لبعيد وتسترسل
·     :  ...هكذا هي الحياة كل شيء يمرمر السحاب
·  :     نعم فنحن في عصر السرعة ..
·       نعم نعم ..اذكر في الماضي منذ زمن ..ربما قبل ان تولدي حتي كنا ننتظر هنا واينما نظرنا لوحت لنا الاشجار والورود وارسلت مع نسمات الهواء عطرها مرحبة بنا   اليوم انتظر هنا والاشجار عارية جافة وعوادم السيارات ترحب هي ايضا بي ولكن بطريقتها الخاصة وعطرها الوقودي ....
·   :    نعم هذي حقيقة للاسف .. ابتسم مجاملة   واصمت
أتأملها اكثرتلك الاسنان المرتبة الم تتساقط وكيف احتفظت بها لابد انها تضع اسنانا اصطناعية,,لالا فهناك سن مكسور جانبه الايمن لابد انها اسنانها الحقيقية والا لكانت استبدلت المكسور باخر ...
تشدني مرة اخري تلك الحقيبة المتخمة بحمولتها كيف تستطيع حملها ..!
تمر دقائق وانا لا ازال احدق بكل تفاصيلها وبذهني الف الف سؤال لا انشغل عنها برغم الضجيج الذي يزداد بتوافد المنتظرين للحافلات المختلفة  حولنا وهؤلاء الاطفال الذين لا يملون الصراخ والضحك بصوت مرتفع وكانهم يمتلكون الدنيا وعليها ان تصغي اليهم فقط ... حتي ذاك البائع الذي لا ينفك ان يصمت بعد ترديده لاسماء بضائعه المتعددة بذلك الصندوق الورقي من ( امشاط وشرائط لزينة جدائل الصغيرات واساور ملونة ومشابك للغسيل والابر المصنوعة من معدن لا يصدا..و .. و.. و..) حتي يغير طريقة اعلانه من صوته هو الي صوت تصادم انبوبتان معدنيتان ببعضهما البعض في شجار طويل معلنتان عن تواجده وما يبيعه وسط ذلك الجمع من المنتظرين..
_ ها هو سحاب الحقيبة ينفتح وتطل منه بعض الحمولة
·      : تفضلي بعض الحلوى منزوعة السكر ,, لا تخافي انها جيدة ولا تضر
·    :   اشكرك .. التقطها وكانها مفتاح تلك الحقيبة لا اعبئ بضررها او نفعها بل بما تحمله من اسرار عن ما كان معها بالداخل
·    :   ااااه لابد ان احمل معي كل اغغراضي دائما فانا بالكاد اتحرك ولا اعرف متي احتاجها _ _ رغم اني لا استسلم للمرض غير اني مريضة بالفعل _ _ ربما احتاج لدوائي او ماء اشربه او ربما .. ] تفتح حقيبتها اكثر وتشير الي حفاضا لكبار السن ويحمر وجهها البرئ خجلا  في كبرياء عجيب[
 تستكمل حديثها لابد للمراة يا أبنتي ان تحتفظ بشبابها داخلها دائما حتي وان مر الزمن وترك تجاعيده هنا اوهناك فلابد لها ان تبقي شامخة وتاخذ تجاعيده كهدية تشير كل منها الي يوم جميل قد عاشته ولا تحزن لانه مر .. ولا تطئطئ راسها وتنحني لتجمع وريقات ورد قد ذبل فمكانه تنمو اشجار ستظلها في الكبر شريطة ان تبقي روحها حرة تطال الاشجار ...
·   :    نعم .. معك حق
·     :  ممم ها هي الحافلة قادمة ولابد لي ان اذهب ..
بابتسامة طبيعية رقيقة رمقتني واقتربت اكثر قبل ان تدير لي ظهرها وتتوجه للحافلة ربتت كتفي وقالت : لازلت في ريعان الشباب انفضي عنك الحزن وان اتاك لا تفتحي له بابا ولا تديري بالا لما حولك فتتجعد  روحك قبل اوان بشرتك... لكل منا حقيبة يا أبنتي فلاتملئي حقيبتك الا بما يساعدك ان تبقي كما اراك الان شامخة لاتنحني نضرة لا تتجعد شغوفة بالحياة  في تكتم وحياء...
_غمرني خجل وحيرة كيف لها ان تسدي كل هذي النصائح بكل هذا الايجاز و البساطة والوضوح كم عاشت من العمر كي تعلم كل هذا..!_
اخرجت قارورة زجاجية صغيرة من الماء مغلفة بجراب مغزول بدقة وعناية وكانها صنعته خصيصا لتلك القارورة دون غيرها _تعرف ذلك من دقة احكامه عليها ومناسبته لها علي صغرها_ وردي اللون مطرز بحبات لؤلؤ اصطناعي بيضاء وشريط من الستان الابيض المفضض..
وضعتها في يدي واغلقتها عليها ..
وكانها تامرني بالتمسك بها ,, اكملت كلماتها
: ليكن لكي شيئ مميز خاص بك تبقينه لك وان تركته لاحد يذكرك دائما به لا غيرك..
ستذكرينني حين ترين هذي القارورة وستذكرك بالا تنحني وان تبقي علي الحياة كما تبقي الماء عليها.....           ابتسمت عيناها وانا محدقة بهما كما لو كانت قد سحرتني .. وتركتني
_: تركتني سيدة الحقيبة وذهبت
تركتني قابضة علي قارورة ماء صغيرة وكاني ممسكة بحبل نجاني الوحيد وسط محيط عميق ...وذهبت
اعتلت الثلاث درجات الفاصلة بين الشارع والحافلة بخفة وثبات وهي تحتضن بيدها اليسري حقيبتها التي ترمقني بنظرة تحدي او ربما سؤال لم تسأله  صاحبتها او ارادتني ان اجيب عنه ولكن لنفسي ... وماذا عن حقيبتك .. اين هي  لما تجلس دونما اثر  .. ! لم لا تحتضنيها كما تفعل سيدتي بي اين دفئك ..!
جلست بالمقاعد المخصصة لكبار السن ابتسمت بنظرة اخيرة و امسكت كفيها بعضها ببعض مشيرة الي ان تمسكي بالقارورة _ بل تمسكي بالحياة وليكن لك اثر _ ثم لوحت لي مودعة اياي بهدوء
تحركت الحافلة........  تركتني سيدة الحقيبة
ولم تتركني ..!
Walaa